%D8%AF%D9%83%D8%AA%D9%88%D8%B1%20%D8%B9%D9%84%D8%A7%D8%A1

 

 


الأستاذ الدكتور علاء شاكر
: السنوات العشر المقبلة ستشهد تحولا جذريا في نمط الحياة بسبب الواقع الافتراضي.

 

النظام التربوي العراقي سيكون عاجزا عن مواجهة التغييرات التكنولوجية 
                      
                                              حاوره:نبيل وداي الجبوري

 

يعد الفنان الأستاذ الدكتور علاء شاكر واحدا من أهم أعلام ديالى من الجيل الجديد الذي حمل على أكتافه أعباء مرحلة من اعقد المراحل التي مرت بالمجتمع العراقي عامة ومجتمع محافظة ديالى على وجه الخصوص،عندما شغل منصب رئيس جامعة ديالى،على الرغم من خطورة وحساسية تلك المرحلة التي تطلبت قدرا هائلا من رباطة الجأش والحكمة والدقة والصبر. كما يشكل الفنان علاء شاكر حلقة وصل بين جيل الرواد والجيل الشبابي، في مجال الفن التشكيلي على الرغم من انشغالاته التدريسية والإدارية التي أبعدته لزمن ليس بالقصير عن ممارسة الفن والإنتاج الفني.إلا انه مع افتتاح كلية الفنون الجميلة التي يشغل منصب العميد فيها يسعى إلى بث الحياة الجمال في هذه المدينة التي مزقها الجفاف الذوقي واليباب الجمالي إذ يقول الفنان “علاء شاكر”ان “المشهد الفني والثقافي بشكل عام في ديالى عانى تراجعا حادا سيما في الاعوام 2005-2006-2007-2008 ابان الاحتقان الطائفي في المحافظة ماادى الى اختفاء فعاليات فنية وثقافية كانت حاضرة قبل ذلك” مشيرا الى انه “مع اطلالة 2009 بدأت ديالى تتعافى مجددا وعادت بعض الفعاليات مرة اخرى وان كانت ليست بنفس القوة ولكني متفائل”. معبرا في الوقت نفسه عن الاسف لمغادرة الكثير من الوجوه الفنية ارض الوطن الى المنافي” دون ان يغفل الانتعاش التدريجي للفن في المحافظة خصوصا بعد البداية الموفقة لنشاطات كلية الفنون الجميلة التي تمثلت باستضافها لمعرض الفنان على الطائي.

عن الفن والسفر والحراك الاكاديمي كان لنا هذا اللقاء مع عميد كلية الفنون الجميلة الفنان التشكيلي والاستاذ الدكتور علاء شاكر:

 

*هل يواكب فنان ديالى الحركة التشكيلية في البلاد وفي العالم خصوصا في مجال الفن الحداثي او مابعد الحداثي؟.

لا اعتقد ذلك والسبب من وجهة نظري كما اسلفت مامر بالمحافظة من تداعيات،واظن ان توظيف الفن مابعد الحداثوي في المشهد التشكيلي لفناني ديالى صعب حاليا بسبب تراجع الذائقة الفنية فهذا النمط من الفن يحتاج الى مستوى من الوعي والتقبل الفني اعتقد انه غير متوفر حاليا في ديالى

 

 

 

 

* كيف رأى الدكتور علاء شاكر الغرب في سفراته العلمية وخصوصا زيارته إلى بريطانيا ؟

للاسف الفجوة التكنولوجية تتسع يوميا بيننا وبين الغرب الى الحد الذي بتنا نعيش في عالم مختلف تماما عن عالمهم بكل حيثياته وتفاصيله بالرغم من القرية التكنولوجية التي تجمعنا معا ونتلمس هذا واضحا في سفراتنا إلى الدول الأوربية وحتى أحيانا الأسيوية.

هذه الدول استطاعت أن توظف التكنولوجيا في الحياة اليومية من اجل تسهيل نمط الحياة بدءاً من الحياة المنزلية مرورا بالخدمات العامة وصولا إلى أنماط التعليم وأشكال الفنون بكل تفرعاتهما

 

 

 


* ماهي ابرز المحطات التي استوقفتك؟
لقد أتاح لي العمل في رئاسة الجامعة الفرصة للسفر إلى عدد من البلدان الأوربية والأسيوية ولكن المحطتين اللتين شكلتا نقطة تحول في انطباعاتي هما جامعة “برمنغهام” في بريطانيا وجامعة “بلكنت” في تركيا ، المبهر في جامعة برمنغهام الجامعة العريقة التي تجاوز عمرها المئة عام بما تمتلكه من تقاليد جامعية عريقة وبرامج تعليمية متطورة ونظم إدارة مذهلة فضلا عن مساحتها الواسعة التي تفوق مساحة قضاء بعقوبة لدرجة أن هناك شركة لسيارات الأجرة في داخل الجامعة لأنك لايمكن ان تتنقل بين كليات الجامعة إلا باستخدام سيارة، (المبهر) ليس فقط المستوى التكنولوجي والإداري الهائل وإنما مساحة الحرية داخل الجامعة التي تعد من الجامعات القليلة التي فيها تنوع عرقي وديني وثقافي فريد، فطلبتها وحتى أساتذتها يتوزعون على مساحة واسعة من العالم من الصين شرقا إلى أميركا غربا ، ورغم هذا التنوع فهناك تعايش سلمي وتقبل للآخر بشكل مدهش وهذا مثال بسيط للتعايش الديني إذ انه ليس هناك كنيسة اوجامع أو معبد داخل الجامعة وإنما هناك مكان واحد

chaplincy  أي مكان للعبادة وهذا الاسم الجامع يؤمه الجميع ، فهذا المكان يستخدم يوم الجمعة لصلاة المسلمين ويوم السبت لليهود ويوم الأحد للمسيحيين ويوم الاثنين للسيخ ويوم الثلاثاء للهندوس ويوم الأربعاء للبوذيين ويوم الخميس يوم حر لبقية العبادات أيا كان شكلها بينما المسلمون في العالم الإسلامي كل طائفة تكفّر الطائفة الأخرى وتفجر أماكن عبادتها أو طقوسها الدينية للأسف، المدهش في جامعة برمنغهام التي قضيت فيها كورس تدريبي كامل هو طبيعة التعامل الأخلاقي والودي الرائع بين منتسبيها (الكل يحبُ الكلَ والكلُ يحترمُ ويقدرُ الكلَّ )هي عبارة يمكن أن تصف شيئا من عظمة هذه الجامعة، درسني في هذه الجامعة عددٌ من الأساتذة ربما كان أبرزهم الدكتور “بول جيرالد” الذي كان يدرسنا “إدارة مالية” ومن الناس الرائعين الذين التقيتهم في الجامعة “بيتر كولان” وهو فنان تشكيلي معروف ومدير متحف جامعة برمنغهام…

 

الجامعة الأخرى هي جامعة “بلكنت” وهي جامعة حديثة إذا ما قورنت بجامعة برمنغهام استطاع مالكها ورئيسها الدكتور “احسان دوغراماجي” وهو طبيب أطفال من اصل عراقي يتحدث أكثرَ من تسعِ لغات عالمية بطلاقة استطاع ان يحول مجموعة حقول زراعية في جنوب أنقرة إلى تحفة عالمية تسمى جامعة “بلكنت” وهي جامعة استطاعت أن تكون ضمن الخمسمائة جامعة الأفضل في العالم ، لغة التدريس فيها هي الانكليزية وفيها مختبرات للفيزياء تنافس مختبرات جامعات أميركية مرموقة الشيء الملفت الذي شاهدته أن فيها اوركسترا تُعد الأرقى في الشرق الأوسط ولقد حضرت لها أمسية قدم فيها عازف شاب اسمه إبراهيم اعمالا لموزارات وباخ بشكل مذهل مع فرقته التي يزيد عدد أفرادها على الأربعين عازفا

العرض المذهل الذي قدمته الفرقة دفعت رئيس الجامعة وهو رجل تجاوز التسعين من عمره ان ينزل ويقبل يد “ابراهيم” ويقول له “هذه يد تستحق ان تقبل” كذلك يوجد في جامعة “بلكنت” قسم للفنون التشكيلية اكثر من رائع، فيه محترف للرسم تصاب بالذهول عندما تدخل فيه من حيث المساحة والتجهيزات


*شغلت منصب رئيس جامعة ديالى ولاشك انها كانت تجربة غنية خصوصا انها كانت في مرحلة صعبة كيف تقييم تلك التجربة؟.

لقد عملت مساعدا لرئيس جامعة ديالى من 2003 ولغاية 2006 وعملت رئيسا للجامعة وكالة للعام 2006-2007 وقد استفدت من هذه الفترة اداريا ولكني ابتعدت فنيا وكان عملي على حساب صحتي وحالتي النفسية نتيجة الضغط النفسي الذي كنت اعانيه بسبب صعوبة المرحلة وخطورتها مع التجاذبات المختلفة التي شهدتها وقد استفدت من التجربة على الصعيد المهني ولكني تضررت منها على الصعيد الشخصي فالمنصب في منطقتنا وفي الاوقات المضطربة يؤلب على صاحبه الكثيرين ويجعله عرضة للقيل والقال والاتهامات من كل الانواع وقد تعرضت الى ابشع حملة للتسقيط تضمنت سيل من الاتهامات وبمختلف انواعها ،لدرجة ان حياتي كانت معرضة للخطر نتيجة هذه الاتهامات التي لاحقا تكشّف ان سببها الرئيس هو دفعي لترك المنصب وهو ما حصل فعلا ،فقد وصل الامر الى الحد الذي لم اعد قادرا على تحمله فقدمت طلبا لاعفائي من منصبي وغادرت إلى جامعة السليمانية في كردستان.

 

*ماهي تصوراتك او طموحاتك بشان كلية الفنون الجميلة ؟.

لقد كان حلما وربما هما يوميا ان نفتتح كلية الفنون الجميلة في ديالى وقد بدأ المشروع مع دكتور مؤمل رئيس الجامعة عام 2001 وطرحت الموضوع عليه والرجل كان داعما للفكرة كونه مهندسا معماريا قريبا جدا من الفنون وتم وضع خطة للاستحداث ولكن مع تغييرات 2003 تعثر المشروع ،واعدت المشروع عندما كنت مساعدا لرئيس الجامعة وتعثر ايضا مع الاحتقان الطائفي في 2006 وصعود حركات دينية مناهضة لهذا المشروع سواء داخل مؤسسة الدولة أو خارجها والحمد لله بعد رجوعي من كردستان عام 2010 أعدت المشروع مرة أخرى وهذه المرة تكلل بالنجاح وتم استحداث كلية الفنون الجميلة لعام 2012 وإنا متفائل جدا من ان هذه الكلية ستساهم في تفعيل الحراك الثقافي والفني في محافظة ديالى واستقطاب الفنانين إلى أنشطة الكلية وامتداد الكلية إلى مجتمع ديالى ،وطموحاتي في هذا الجانب كبيرة فأنا اطمح ان تساهم الكلية في تأسيس متحف للفنون ومشغل عام للفنون يكون مفتوحا للناس من خارج الجامعة


*عبر سنوات طويلة من الاحتكاك بالطلبة هل تعتقد أن الطالب العراقي مازال يمتلك مؤهلات أن النهوض؟.
 بالرغم من كل الانتقادات فانا اعتقد ان الطالب العراقي مازال بامكانه اللحاق بركب التطور الثقافي العربي والعالمي .


*كيف هي علاقاتك مع طلاب الدراسات العليا؟.
حقيقة أن الدراسات العليا الآن تمر بمحنة فكثير من المقبولين في الدراسات العليا يفتقدون للمهارات العلمية والبحثية ومستواهم الثقافي للأسف متواضع جدا وهذا يسبب لنا كأساتذة في الدراسات العليا همّا وظيفيا وعلميا ، بل أن الكثير من هؤلاء بدأ يلجأ إلى وسائل غير مقبولة كالوساطة وأحيانا التهديد من اجل النجاح وبالتأكيد هناك القليل ممن لايدخلون ضمن هذا التوصيف،طالب الدراسات العليا الآن بالرغم من كل التسهيلات التكنولوجية التي تيسر امور البحث العلمي اتكالي غير جدي ولايفكر في بناء شخصية علمية أكثر من تفكيره في أن ينجح.


* مَنْ ابرز الطلاب الذين تعتقد أن لهم مستقبل بحثي وعلمي؟.
 أنا لا أستطيع أن اسمي طلبة بعينهم لكي لا أحبط البقية ولكني اعتقد انه ضمن هذه الوجبة في طلبة الماجستير البالغ عددهم 15 طالب وطالبة هناك اثنين إلى ثلاثة يمكن أن نلمس فيهم مشروع باحث.

* كيف يمكن للمؤسسات العلمية أن تخلق مناخا علميا للمعرفة الحقة مناخ يسمح بالتفاعل بين الطالب والأستاذ وبين الطالب والمكتبة وبين الطالب المجتمع اقصد بعد أن يحقق الطلبة عبور مرحلة البحث باتجاه المشاركة في بناء المجتمعالمناخ التعليمي مرتبط بالمناخ الاجتماعي العام ،مشكلتنا في العراق بشكل خاص وفي الشرق بشكل عام إننا لا نركز على بناء الإنسان بل نركز على بناء المؤسسات ،بينما الدول المتقدمة تركز على بناء الإنسان لأنه الأساس في التغيير والتطور من البديهيات في علم الاجتماع أن هناك ثلاث مؤسسات تساهم في بناء الإنسان، أول مؤسسة هي مؤسسة الأسرة والمؤسسة الثانية هي مؤسسة المدرسة والمؤسسة الثالثة هي مؤسسة العلاقات الاجتماعية ويبدوا أن خللا ما أصاب هذه المؤسسات لدينا فاختل بناء الإنسان


* كيف ينظر الدكتور علاء شاكر إلى الثورة الالكترونية وهو من الأوائل الذي أشاروا إلى هذه الثورة في محافظة ديالى وهل يمكن تطويع هذا الواقع في مجال التعليم العالي في جامعة المحافظة بما يخدم العلمية التعليمية ؟.

لقد قدمت أول محاضرة عن الانترنيت عام 1998 في اتحاد الأدباء في ديالى وقد تحدثت حينها عن أن إعصارا تكنولوجيا قادم وان المجتمع العراقي سيشهد تغييرات ملموسة في أنماط حياته التكنولوجية

فالواقع الافتراضي صار نمطا أساسيا في الحياة المعاصرة فهناك المتاحف الافتراضية والجامعات الافتراضية والصيدليات الافتراضية ……..الخ واعتقد ان السنوات العشر المقبلة ستشهد تحولا جذريا في نمط الحياة وستختفي الكثير من المظاهر المعتادة الآن للحياة اليومية فربما تختفي الدوائر الحكومية كأبنية ومؤسسات منشأة على الأرض كذلك ستختفي المدارس والجامعات وربما المسارح والمتاحف كذلك، واعتقد أن النظام التربوي العراقي الحالي سيكون عاجزا في مواجهة التغييرات التكنولوجية التي ستجتاح العالم خلال السنوات القادمة وبالذات توظيف العوالم الافتراضية،الا اذا توفرت ارادة واعية بضرورة التخطيط للنهوض بالواقع العلمي والتربوي .