غرناطة الحمراء
غرناطة الحمراء
م.م ريم عبد الحسين
غرناطة الجميلة الحسناء ,معلما اثريا وحضارة طرزت تاريخها العريق بخيوط الذهب, حكمها العرب المسلمون في حقبة تاريخية مضيئة وصل صدى تقدمها وازدهارها الاقتصادي والعمراني والثقافي والفني الى كل انحاء العالم ,وظل صداها يتردد الى مسامعنا ليومنا هذا رغم انطفاء وهج قنديلها . فكان وليدها الرائع الجمال قصر الحمراء الوريث الحضاري والبصمة الابدية لهذا التاريخ العريق .
قصر الحمراء هو قصر أثري وحصن منيع شيده الملك المسلم العربي أبو عبد الله محمد الأول محمد بن يوسف بن محمد بن أحمد بن نصر بن الأحمر في الحقبة التاريخة التي تنحصر بينى1238-1273 في مملكة غرناطة خلال النصف الثاني من القرن العاشر الميلادي. يعد الان من أهم المعالم السياحية بأسبانيا ويقع على بعدً (430 كيلومتر) جنوب مدريد. تعود بداية تشييد قصر الحمراء إلى القرن الرابع الهجري، الموافق للقرن العاشر الميلادي، وترجع بعض أجزائه إلى القرن السابع الهجري الموافق للقرن الثالث عشر الميلادي. وقد أستغرق بناؤه أكثر من 150 سنة.
عند البحث في تاريخ هذه المملكة العريقة بيد ان هناك ثمة خلاف بشأن سبب تسمية هذا المعلم البارز باسم قصر الحمراء، فهناك من يرى أنه مشتق من بني الأحمر، وهم بنو نصر الذين كانوا يحكمون غرناطة بين عامي 629 – 897 هـ ، بينما يرى آخرون أن التسمية تعود إلى التربة الحمراء التي يمتاز بها التل الذي تم تشييده عليها. من التفسيرات الأخرى للتسمية أن بعض القلاع المجاورة لقصر الحمراء كان يُعرف باسم (المدينة الحمراء) منذ نهاية القرن الثالث الهجري، الموافق للقرن التاسع الميلادي, ومن المحتمل ان القصر سُمِّي بالحمراء إشارة الى لون الآجر الذي استخدمه المغاربة في بناء الجدران الخارجية. غير ان البعض يفضّلون تفسير المؤرخين العرب الذين قالوا ان بناء الحمراء جرى «على ضوء المشاعل». وقد انعكس هذا الضوء في الليل لونا احمر على الجدران، مما اعطى القصر اسمه.
برزت جماليات العمارة الإسلامية الواضحة في أبنية القصر. اذ استخدموا العناصر الزخرفية الرقيقة في تنظيمات هندسية كزخارف السجاد، وكتابة الآيات القرآنية والأدعية، بل حتى بعض المدائح والأوصاف من نظم الشعراء كابن زمرك، وتحيط بها زخارف من الجص الملون الذي يكسو الجدران، وبلاطات القيشاني الملون ذات النقوش الهندسية، التي تغطي الأجزاء السفلى من الجدرا
إلا ان قصر الحمراء ليس قصرا فحسب، بل يمكن وصفه بأنه مدينة في قلب مدينة غرناطة. فأسواره الهائلة تحتضن الحدائق، المقصورات، مجمّع الابنية التي تؤلف القصر، القصبة (اي القلعة)، وحتى مدينة صغيرة. وأُضيفت في الازمنة اللاحقة ابنية اخرى الى البناء الاصلي المغاربي التصميم فصار قصر الحمراء يجمع بين التصاميم العربية الدقيقة والمعقدة وبين الاشكال الغليظة والمتوازنة لفن العمارة في عصر النهضة الاوروبية.
يعود سر روعة قصر الحمراء الى اسلوب في العمارة استخدمه المغاربة، نقلا عن الاغريق القدماء. فقد شيَّدوا ابنيتهم في البداية باتّساق وبساطة وانسجام آخذين بعين الاعتبار لون وطبيعة الحجارة. بعد ذلك، قاموا بإضافة الزينة الى هذه الابنية الانيقة والبسيطة. وبكلمات احد الخبراء، «لطالما اتّبع المغاربة ما يعتبره المهندسون المبدأ الاساسي في الهندسة المعمارية: تزيين الابنية وليس بناء الزينة».
يدخل المرء قصر الحمراء عبر قنطرة ضخمة لها شكل حدوة الحصان، وتُسمى باب القانون. واسمها يذكِّر بالمحاكم التي كانت تنعقد تحتها ايام الحكم الاسلامي من اجل سماع القضايا الصغيرة. وكان الحكم في القضايا عند البوابات شائعا جدا في كل انحاء الشرق الاوسط, وكانت الزخارف الدقيقة في القصور العربية، كقصر الحمراء، تُصنع من الجص. فقد نحت الحرفيون في الجص اشكالا فنية مكررة أسبغت عليه مظهر التخريم. ويخيَّل للناظر الى القناطر المزخرفة المرتبة في تناسق تام انها هوابط في كهف. ومن معالم القصر ايضا البلاط المزجَّج الذي يكسو النصف السفلي من الجدران وفقا لأشكال هندسية معقَّدة. وتتباين ألوان البلاط الزاهية مع لون الجص في الجزء العلوي من الجدران.
ومن الساحات الداخلية لقصر الحمراء، تأسر انتباه الزائر «ساحة الاسود» التي وُصفت بأنها «أروع مثال للفن العربي في اسبانيا». يوضح احد المعنيين بالسياحة : «يتميّز العمل الفني الاصيل بأن لا مجال لتقليده او محاكاته. . . . وهذا هو الشعور الذي يتملَّك المرء امام هذه الساحة في غرناطة». فأروقتها المتناسقة وأعمدتها الدقيقة تحيط بنافورة ماء يحملها ١٢ اسدا رخاميا. لتضل من اشهر المعالم التاريخية في العالم يؤمها الهواة والمؤرخون والمنقبون والعلماء من كل بقاع الارض .
م.م ريم عبد الحسين محمود