أ.د علاء شاكر محمود
الحرية كما يفهمها البعض
عندما كنت طالبا في المرحلة الاعدادية بدات لاول مرة اسمع كلمة الحرية وكيف قامت الثورة الفرنسية لتحقيق الحرية ونظرية مونتسكيو التي قام دستور العديد من الدول عليها ، كان ذلك على لسان استاذي لمادة التاريخ مؤيد عكاوي وعندما دخلت كلية الفنون الجميلة وكانت تسمى حينها أكاديمية الفنون الجميلة ايضا عادت كلمة الحرية مع لوحة ديلاكروا الحرية تقود الشعوب . وكنا نتطلع للعيش في اوربا حيث الحرية وحيث يمكننا ان نفعل ما يحلوا لنا وليس كما نعيش نحن في ظل نظام بوليسي يحاسب على كل صغيرة وكبيرة ، كنت اتطلع للحرية من خلال السفر وكنت اتوق للوصول الى فرنسا بلد الفن والحرية ولكن ظروف البلد والحرب والحصار الذي تلاها منعني من ذلك ولم تتخط قدماي الحدود الا في عام ٢٠٠٣ . بعد سقوط النظام وفي عام ٢٠٠٥ سنحت لي الفرصة التاريخية لزيارة اوربا وبدأتها بانكلترا في كورس تدريبي في جامعة برمينغهام ومن ثم فرنسا ويا للهول اكتشفت ان ما كنت احمله من افكار عن الحرية وان كل شيء مباح كان ضربا من الوهم وجدت ان الحرية تعني شيء اخر تماما عما كنت اعتقده . الحرية معيار للتحضر يتم في ضوءه تنظيم العلاقات بشكل رائع وان كل انسان يمتلك الحرية بان يفعل مايشاء في حدود النظام وان كثير من الاشياء التي كنت اظن انها من الحرية الشخصية يحاسب عليها القانون ، فليس من الحرية ان اكتب ذما لاحد ما بدون دليل لانه سيقاضيني بتهمة التشهير وليس من الحرية ان ارفع صوت الستريو في شقتي لان جاري سيبلغ عني الشرطة وليس من الحرية ان لا البس حزام الامان عند قيادة السيارة لان الكامرات سترصدني وسادفع غرامة وليس من الحرية ان اطلق منبه السيارة امام مستشفى او مدرسة والا سادفع غرامة وليس من الحرية ان اركن سيارتي حيثما اشاء لاني ساضطر لدفع غرامة وفي احايين اخرى ستحجز سيارتي وليس من الحرية ان اقيم حفلة صاخبة في شقتي والا سيبلغ عني الجيران الشرطة وليس من الحرية ان ارمي علب المشروبات الغازية او اكياس الجبس من السيارة لان الكامرات سترصدني وساضطر لدفع غرامة وليس من الحرية ان اضرب مثال في المحاضرة فيه اساءة لقومية او طائفة او مجموعة لان هناك من سيقاضيني بتهمة العنصرية وليس من الحرية ان اوزع منشورات او دعايات لحزب او لجماعة او منظمة بدون اخذ موافقات مسبقة وليس من الحرية ان اجمع زملائي للتظاهر داخل الجامعة او خارجها حول اي قضية بدون موافقات مسبقة وليس من الحرية ان البس ملابس او ازياء فيها اساءة لدين او طائفة والا ساجد من يقاضيني وليس من الحرية ان اتجاوز على الاملاك العامة بان اضع شيء يخصني في الشارع والا ساضطر لدفع غرامة وليس من الحرية ان احدق في وجه امراة بشكل يفهم منه الايحاء الجنسي والا ستقاضيني بتهمة التحرش الجنسي وليس من الحرية ان احتفل باي شيء انا اؤمن به في الشارع العام بدون اخذ موافقات مسبقة وليس من الحرية ان استخدم اغنية او موسيقى في فلم او مشروع بدون موافقة صاحبها والا ساجد من يقاضيني وليس من الحرية ان انسخ اي كتاب او فلم او مسرحية بدون موافقة الناشر حينها ادركت انني كنت احمل مفهوما خاطئا عن الحرية وربما بسبب ذلك بدات اعاني نفسيا عندما عدت الى العراق لاني بدات اقارن ما اراه من انماط سلوكية في الجامعة او في الشارع يظن البعض انها حرية شخصية بينما هي في حقيقتها اعتداء على حقوق اخرين مثلا اجد كثير من الطلبة يدخنون وفي الاماكن العامة وفي وسائط النقل التي تنقلهم من والى الجامعة وهم يعتقدون ان ذلك من الحرية وجدت بعض الطلبة ينسخ كتب ومحاضرات واقراص مدمجة بدون اذن صاحبها وهم يعتقدون ان ذلك من الحرية وجدت ان بعض الطلبة يرفع صوته بالضحك والصراخ وهم يعتقدون ان ذلك من الحرية الشخصية وجدت ان بعض الطلبة ينشرون على الفيس بوك ما يسيء الى زملائهم او اساتذتهم وهم يعتقدون ان ذلك من الحرية الشخصية وجدت ان بعض الطلبة ينشرون الفاظ بذيئة على صفحاتهم على الفيس وهم يعتقدون ان ذلك من الحرية الشخصية وجدت ان بعض الطلبة يشغل اغاني او موسيقى على موبايله وهم يعتقدون ان ذلك من الحرية الشخصية ويصور زميلاته بدون اذنهن وهو يعتقد ان ذلك من الحرية الشخصية بل وينشر بعض الصور التي تجمعه مع اخرين بدون استأذانهم وهو يعتقد ان ذلك من الحرية الشخصية هذا ما وجدته داخل الجامعة اما اذا وسعت الامر لخارج الجامعة فربما لا يكفي المقال لرصد انماط السلوك التي يقوم بها البعض وهي تؤذي اخرين وهو يعتقد انها من الحرية الشخصية
انها الحرية كما يراها البعض